فصل: فتح الرها وغيرها من أعمال الافرنج.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.فتح الرها وغيرها من أعمال الافرنج.

كان الافرنج بالرها وسروج والبيرة قد أضروا بالمسلمين جوارهم مثل آمد ونصيبين ورأس عين والرقة وكان زعيمهم ومقدمهم بتلك البلاد جوسكين الزعيم ورأى الاتابك أنه يوري عن قصدهم بغيره لئلا يجمعوا له فوري بغزو ديار بكر كما قلناه وجوسكين وعبر الفرات من الرها إلى غزنة وجاء الخبر بذلك إلى الاتابك فارتحل منتصف جمادي الاخيرة سنة تسع وثلاثين وحرض المسلمين وحثهم على عدوهم ووصل إلى الرها وجوسكين غائب عنها فانحجز الافرنج بالبلد وحاصرهم شهرا وشد في حصارهم وقتالهم ولج في ذلك قبل اجتماع الافرنج ومسيرهم إليه ثم ضعف سورها فسقطت ثلمة منه وملك البلد عنوة ثم حاضر القلعة وملكها كذلك ثم رد على أهل البلد ما أخذ منهم وأنزل فيه حامية وسار إلى سروج وجميع البلاد التي بيد الافرنج شرقيا فملكها جميعا إلا البيرة لامتناعها فأقام يحاصرها حتى امتنعت ورحل عنها والله سبحانه وتعالى أعلم.

.مقتل نصير الدين جقري نائب الموصل وولاية زين الدين على كجك مكانه بالقلعة.

كان استقر عند الاتابك زنكي بالموصل الملك البارسلان ابن السلطان محمد ويلقب الخمفاجي وكان شبيها به وتوهم السلطان أن البلاد له وأنه نائبه وينتظر وفاة السلطان مسعود فيخطب له ويملك البلد باسمه وكان يتردد له ويسعى في خدمته فداخله بعض المفسدين في غيبة الاتابك وزين له قتل نصير الدين النائب والاستيلاء على الموصل فلما دخل إليه أغرى به أجناد الاتابك ومواليه فوثبوا به وقتلوه في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين ثم ألقوا برأسه إلى أصحابه يحسبون أنهم يفترقون فاعصوصبوا واقتحموا عليه الدار ودخل عليه القاضي تاج الدين يحيى ابن الشهرزوري فأوهمه بطاعته وأشار عليه بالصعود إلى القلعة ليستولي على المال والسلاح فركب وصعد معه وتقدم إلى حافظ القلعة وأشار عليه بأن يمكنه من الدخول ثم يقبض عليه فدخل ودخل معه الذين قتلوا نصير الدين فحبسهم والي القلعة وعاد القاضي إلى البلد وطار الخبر إلى الاتابك زنكي بحصار البيرة فخشي اختلاف البلد وعاد إلى الموصل وقدم زين الدين على ابن كجك وولاه القلعة مكان نصير الدين وأقام ينتظر الخبر وخاف الافرنج الذين بالبيرة من دعوته إليهم فبعثوا إلى نجم الدين صاحب ماردين وسلموها له فملكها المسلمون.

.حصار زنكي حصن جعبر وفتك.

ثم سار الاتابك زنكي سنة إحدى وأربعين في المحرم إلى حصن جعبر ويسمى دوس وهو مطل على الفرات وكان لسالم بن مالك العقيلي أقطعه السلطان ملك شاه لابيه حين أخذ منه حلب وبعث جيشا إلى قلعة فنك على فرسخين من جزيرة ابن عمر فحاصروها وصاحبها يومئذ حسام الدين الكردي فحاصر قلعة جعبر حتى توسط الحال بينهما حسان المنبجي ورغبه ورهبه وقال في كلامه من يمنعك منه فقال الذي منعك أنت من مالك بن بهرام وقد حاصر حسان منبج فأصابه في بعض الأيام سهم فقتله وأفرج عن حسان وقدر قتل الاتابك كذلك والله تعالى أعلم.

.مقتل الاتابك عماد الدين زنكي.

كان الاتابك عماد الدين زنكي بن اقسنقر صاحب الموصل والشام محاصرا لقلعة جعبر كما ذكرنا واجتمع جماعة من مواليه اغتالوه ليلا وقتلوه على فراشه ولحقوا بجعبر وأخبروا أهلها فنادوا من السور بقتله فدخل أصحابه إليه وألفوه بجود بنفسه وكان قتله لخمس من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين عن ستين سنة من عمره ودفن بالرقة وكان يوم قتل أبوه ابن سبع سنين ولما قتل دفن بالرقة وكان حسن السياسة كثير العدل مهيبا عند جنده عمر البلاد وأمنها وأنصف المظلوم من الظالم وكان شجاعا شديد الغيرة كثير الجهاد ولما قتل رحل العسكر عن قلعة فنك وصاحبها غفار قال ابن الاثير سمعتهم يزعمون أن لهم فيها نحو ثلثمائة سنة وفيهم رفادة وعصبية ويجيرون كل من يلجأ إليهم والله أعلم.

.استيلاء ابنه غازي على الموصل وابنه الآخر محمود على حلب.

ولما قتل الاتابك زنكي نزع ابنه نور الدين محمود خاتمه من يده وسار به إلى حلب فاستولى عليها وخرج الملك البارسلان ابن السلطان محمود واجتمعت عليه العساكر وطمع في الاستقلال بملك الموصل وحضر ابنه جمال الدين محمد بن علي ابن متولي الديوان وصلاح الدين محمد بن الباغيسياني الحاجب وقد اتفقا فيما بينهما على حفظ الدولة لاصحابهما وحسنا لألبارسلان ما هو فيه من الاشتغال بلذاته وأدخلاه الرقة فانغمس بها وهما يأخذان العهود على الأمراء لسيف الدين غازي ويبعثانهم إلى الموصل وكان سيف الدين غازي في مدينة شهرزور وهي أقطاعه وبعث إليه زين الدين على كوجك نائب القلعة بالموصل يستدعيه ليحضر عنده وسار البارسلان إلى سنجار والحاجب وصاحبه معه ودسوا إلى نائبها بأن يعتذر للملك البارسلان بتأخره حتى الموصل فساروا إلى الموصل ومروا بمدينة وقد وقف العسكر فأشاروا على البارسلان بعبور دجلة إلى الشرق وبعثوا إلى سيف الدين غازي بخبره وقلة عسكره فأرسل إليه عسكرا فقبضوا وجاؤا به فحبسه بقلعة الموصل واستولى سيف الدين غازي على الموصل والجزيرة وأخوه نور الدين محمود على حلب ولحق به صلاح الدين الباغيسياني فقام بدولته والله سبحانه وتعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده.